في ذكرى شهادة الحسين (ع): الحق والباطل ضدان لا يجتمعان 2018-09-17 صادق جواد سليمان في عداد المظالم الكبرى التي شوهت الخبرة البشرية عبر العصور سيظل التاريخ يعد مقتل الحسين ابن على ابن ا بي طالب وا هله وا صحابه في العاشر من محرم عام 61 بعد الهجرة با مر الخليفة الا موي الثاني يزيد ابن معاوية ابن ا بي سفيان وبيد ا عوان له على شاكلته في الفسق والفجور... سيظل التاريخ يعد هذه الفاجعة ا حد ا قبح المظالم وا كثرها تلطيخا للسجل البشري. على ا ن من عمق هذه الما ساة قيض االله للبشرية ا ن ترى كيف تكون الشهادة با جل وا سمى ما تكون عليه. قيض لها ا ن ترى كيف يكون التثبت في الحق في وجه الباطل... كيف يكون انتصار الحق وا ن بدا ا نه ه زم وكيف يكون انهزام الباطل وا ن بدا ا نه انتصر. نعم الدلالة في الا ية الكريمة: " كم من في ة قليلة غلبت في ة كثيرة با ذن االله..." يمكن ا ن ت حمل في ا حد وجوهها على ا ن الغلبة في المؤدى الا خير تكون لفي ة وا ن قلت عددا حين تجاهد لا جل ا حقاق الحق وا زهاق الباطل حتى وا ن اقتضى جهادها منها التضحية بالنفس والنفيس. الحق والباطل ضدان لا يجتمعان. القرا ن الكريم يورد هذا المعنى في بليغ قوله: " وقل جاء الحق وزهق الباطل ا ن الباطل كان زهوقا." ا ن من يتدبر هذه الا ية الكريمة يدرك ا نها تختزن معنى في غاية الدقة في وصف طبيعة الحق وطبيعة الباطل: ا نها تقول لنا ا ن لا وجود للباطل ا لا في غياب الحق - ا ي ا ن غياب الحق هو عين الباطل... ا ن غياب الحق هو ما يوجد الباطل وا لا فالباطل زهوق ا ي لا وجود له في الا صل. الحق والباطل ضدان لا يجتمعان. الا مام الحسين ا يضا عبر عن هذا المعنى العظيم في المبدا الذي ارتكز ا ليه في تحديد موقفه من مبايعة يزيد. كان ذلك في مجلس الوليد ابن عتبة ابن ا بي سفيان والي المدينة الذي با مر عاجل من يزيد - كان قد استدعى الا مام ليبلغه بموت معاوية وليا خذ البيعة منه ليزيد. وكان معاوية قد شدد على ا خذ البيعة من ا ربع هم عبد االله ابن عمر عبداالله ابن الزبير عبدالرحمن ابن ا بي بكر والحسين ابن علي قاي لا ليزيد: لا ينازعك ا لا هولاء فا ن بايعوك صفحة 10 / 1
استتب لك الا مر. كان الوقت عشاء فاستمهل الا مام الوليد ا لى الغد قاي لا ا نه لا يليق به ا ن يبايع في السر فا ذا صار الغد وهنا عبارة الا مام فيما ا وردته بعض السير- فسننظر وتنظرون ونرى وترون. مال الوليد لقبول را ي الا مام لكن مروان ابن الحكم ابن العاص الذي كان الوليد قد استدعاه للاستشارة في ا مر الحسين بصفته ا حد ا قطاب حكم بني ا مية ا بت له ا مويته الحاقدة ا ن يخرج الحسين من مجلس الوالي مكرما كما دخل فقال للوليد: لي ن فارق الحسين دون ا ن يبايع لا قدرت منه على مثلها في الغد: احبسه حتى يبايع وا لا فاضرب عنقه. وهنا وجد الا مام نفسه ا مام ا مر لا بد من حسمه في الحال فا فصح عن قناعته بفقدان يزيد لا هلية البيعة قاي لا للوليد: ا يها الا مير ا نا ا هل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملاي كة بنا فتح االله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق فاجر شارب للخمر وقاتل للنفس المحرمة م علن للفسق والفجور. وختم الا مام حاسما موقفه: ومثلي لا يبايع مثله. ثم خرج محاطا بعدد من بني هاشم كانوا قد رافقوه ا لى مجلس الوليد تحسبا لا ي طاري. لم يكن الاعتراض شخصيا بل مبدي يا. لم يكن لطمع ا و طموح دنيوي بل لدفع بل ى عظيم عن ا مة كادت تنحرف عن الرسالة التي ا لزمتها با قامة العدل وتحقيق المساواة بين الناس بالحكم بالشورى وبالا مر بالمعروف والنهي عن المنكر في ساي ر ا مور الحياة. ا يضا لم يكن موقف الا مام لمقتضى ظرف عابر بل لا جل ا رساء قاعدة يرجع لها ا صحاب الضماي ر في كل عصر ومصر - قاعدة تقول: ا ن الحق لا يبايع الباطل ا ن ا هل الحق لا يتبعون ا هل الباطل فا يما حسين ينشد الا صلاح في ا مته لا يبايع ا يما يزيدا يعثو فسادا في الا مة. كلا لا يكون ذلك ما بقي في الا نسانية خير ورشد. العدل رديف الحق وبه تستقيم الحياة والظلم رديف الباطل وبه تفسد. يقول القرا ن الكريم: لقد ا رسلنا رسلنا بالبينات وا نزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط. الكتاب هو الوحي الموحى للا نبياء والميزان هو العقل الذي اعتمده الوحي في تمييز ما يصح وما يشط ما ينفع وما يضر من الا شياء والا مور وغايتهما معا كما تقول الا ية الكريمة "ليقوم الناس بالقسط." على ا ن الظلم كما الباطل لا يدوم. في الخبرة البشرية نقرا ا نه لا يستقيم طويلا كيان لشخص ا و لا مة ا ذا ا سس على صفحة 10 / 2
ظلم فالظلم من طبعه ا نه ا ذ يؤذي المظلوم وقت زرعه فا نه يعود ليقضي على الظالم وقت الحصاد. من ذلك نعلم ا ن الظالم لغيره لنفسه ا ظلم فما ي لحق الظالم بالمظلوم لا هون مما يصيب به نفسه في عاقبة الا مور. ا نه من حيث لا يحتسب يصيب نفسه بارتكاس في ا نسانيته في بلى بخسران مبين. ا لى ذلك ينبهنا القرا ن الكريم ببليغ قوله: وسيعلم الذين ظلموا ا ي منقلب ينقلبون ا ي ا نهم يظلمون ولا يبالون بما سيجر الظلم لهم من هلاك وتلف ثم يقول: والعاقبة للمتقين ا ي ا ن العاقبة الحسنى تكون للذين يتقون االله فيتجنبون المفاسد وا فسدها الظلم. ويقول القرا ن في معرض ا خر: وما ظلمناهم ولكن كانوا ا نفسهم يظلمون. بسنة االله تلك السارية في الشا ن البشري منذ ا ن وج د البشر حاولت عقيلة ا ل طالب زينب بنت علي ا ن تفه م يزيدا عندما تطاول في مجلسه بالشام وتكابر. فقرا ت له من القرا ن وهي كا خيها الشهيد من حفظة القرا ن: ولا يحسبن الذين كفروا ا نما نملي لهم خير لا نفسهم ا نما نملي لهم ليزدادوا ا ثما ولهم عذاب مهين. ا ن الظالم لغيره لنفسه ا ظلم معن ى يرد كما را ينا - في ا كثر من موقع في القرا ن الكريم. لمزيد من الاستنارة دعنا نقرا هذا المعنى في نسق قرا ني منير: في قصة شخص يا خذه الغرور بما ا وتي من خيرات الحياة وا مكاناتها فيظن ا ن له سيطرة مطلقة على ما امتلك وا ن ما امتلك باق له للا بد وبذلك يهمل ما ي رتب عليه وضعه الموفور من واجب الشكر الله وا داء المسؤولية تجاه مجتمعه. بذلك هو يظلم نفسه. يقول القرا ن: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لا حدهما جنتين من ا عناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا. كلتا الجنتين ا تت ا كلها ولم تظلم منه شيي ا وفجرنا خلالهما نهرا. ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما ا ظن ا ن تبيد هذه ا بدا وما ا ظن الساعة قاي مة ولي ن رددت ا لى ربي لا جد ن خيرا منها منقلبا. قال له صاحبه وهو يحاوره: ا كفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا. لكنا هو االله ربي ولا ا شرك بربي ا حدا. ولولا ا ذ دخلت جنتك قلت ما شاء االله لا قوة ا لا باالله: ا ن تر ن ا نا ا قل منك مالا وولدا. فعسى ربي ا ن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا. ا و يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا. وا حيط بثمره فا صبح يقلب كفيه على ما ا نفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول ياليتني لم ا شرك بربي ا حدا. ولم تكن له في ة ينصرونه من دون االله وما كان منتصرا. هنالك الولاية الله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا. صفحة 10 / 3
ولنعد ا لى الا مام الشهيد لنتبين مركزية الثبات في الحق وقيم الحق في وجدانه وهو يواجه ا صعب محنة في حياته. ا نه يطال ب ببيعة شخص فاسد يا بى االله له ويا بى ضميره ا ن يبايعه. فا ن لم يفعل ومكث في المدينة قتل. ا شار عليه ا خوه محمد ابن الحنفية ا ن ينزل مكة ويدعو الناس ا ليه فا ذا لم يجد منهم تا ييدا لحق بالرمال وشعوب الجبال لكي يسلم من فتك بني ا مية ا لى ا ن يحكم االله بينه وبين القوم الظالمين. لكن الا مام يعلم: كما في المدينة كذا في مكة لن ي ترك لحاله. لقد كتب ا ليه ا هل الكوفة ا ن يقدم ا ليهم وا نهم سينصرونه. ربما يفعل ذلك بعد ا ن يوفد ا ليهم ابن عمه مسلم ابن عقيل ويسمع منه ما يطمي نه على الا حوال هناك. على ا ية حال لا بد له من تسجيل موقف عشية مغادرته المدينة لكي لا تذهب بالناس الظنون. وهذا ما يفعل في وصيته لا خيه محمد ابن الحنفية مبينا قصده من الخروج. يقول الا مام: ا ني لم ا خرج ا شرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وا نما خرجت لطلب الصلاح في ا مة جدي. ا ريد ا ن ا مر بالمعروف وا نهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فاالله ا حق بالحق ومن رد علي هذا ا صبر حتى يقضي االله بيني وبين قومي بالحق وهو خير الحاكمين. نعم الحق العدل الصلاح المعروف تلك ركاي ز فكر الا مام ومقاصد سعيه. ولنر كيف كانت ركيزة الحق ثابتة في وعي ا هل بيته. في الطريق ا لى العراق والقافلة تسير في عرض البادية على نحو رتيب ا ذا بالا مام يسترجع (ا نا الله وا نا ا ليه راجعون) فيسا له ابنه علي الا كبر وكان ملازما ا باه لم استرجعت يا ا بتاه. قال الحسين: خفقت خفقة فعن لي هاتف يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير في ا ثرهم فعلمت ا ن نفوسنا ن عيت ا لينا. فقال الا كبر وكان في العشرين من عمره ا شبه الناس خلقا وخ لقا ومنطقا بجده رسول االله - قال ببساطة وعفوية: لا ا راك االله سوءا يا ا بي: ا و لسنا على حق قال الحسين: بلى والذي مرجع العباد ا ليه. فرد الا كبر: ا ذن لا نبالي ما دمنا على حق. كان منطق الحق هو المنطق الفصل لدى جده علي ابن ا بي طالب في التعامل مع ا يما قضية تعرض له وا يما ا شكال يعترضه. ومنطق الحق هو ا يضا المنطق الفصل لدى الحسين وا هل بيته: رجالا ونساء لا يحيدون عنه ولا تا خذهم فيه لومة لاي م. كان مع الحسين من ا حفاد ا بي طالب عشرون شابا ا كبرهم العباس ابن علي ابن ا بي طالب. كان له قدر من مراس حربي فقد ا درك مع ا بيه بعض وقاي عه. كان مهيبا قوي البنية نافذ البصيرة صلب الا يمان. وقد ا وكل ا ليه الحسين قيادة المعركة وا عطاه لواءه يوم عاشوراء. لنسمع رد العباس لشمر ابن ذي الجوشن ا حد قواد جيش يزيد - عندما عرض شمر عليه الا مان له ولا خرين من بني هاشم صفحة 10 / 4
ا ن هم تخلوا عن الحسين. قال العباس غاضبا: لعنك االله يا شمر ولعن ا مانك. ا تؤمننا وابن رسول االله لا ا مان له نعم ا نهم قوم لا انفصام لهم عن الحق بل يهمهم ملازمة الحق فوق ما يهمهم ا من لا نفسهم ا و ا مان. وليلة العاشر من محرم عندما جمع الحسين ا صحابه وا هل بيته وخاطبهم قاي لا: ا لا ا نني لا ا علم ا صحابا ا وفى من ا صحابي ولا ا هل بيت ا بر من ا هل بيتي. جزاكم االله عني جميعا خيرا. ا لا وا نني ا ظن ا ن يومنا من هؤلاء غدا وهم لا يريدون غيرى فانطلقوا جميعا في حل. ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليا خذ كل واحد من ا نصاري بيد رجل من ا هل بيتي... رد عليه ا خوه العباس وكان يكنى بقمر بنى هاشم: ولم نعمل ذلك ا لنبقى بعدك يا ا با عبداالله لا ا رانا االله ذلك ا بدا. وقال الا نصار مثل قوله. فشكرهم الا مام ولم يصر فليس له وهو العالم العامل بعلمه ا ن يسلبهم خيار الشهادة. وفي تلك الليلة ا يضا وقد ا يقن الجميع بالاستشهاد في الغد سمعت زينب وهي تطوف من خيمة لخيمة متفقدة ا حوال النساء والا طفال سمعت ا صواتا تعلو من خيام رجال بني هاشم وهم يصرون على ا ن يكون لهم السبق في الشهادة في الغد ثم سمعت بمثل ذلك من خيام الا صحاب. لدى الحسين ا لى جانب الثبات في الحق نجد رقيا في الفكر وسموا في الخ لق. وا نا في الرابع عشر من عمري ا ذكر ا ن والدي وكان شديد الا عجاب بشخصية الا مام جاء لي يوما بكتاب الشيخ عبد االله العلاي لي عنوانه "سمو المعنى في سمو الذات " يحدث عن شهادة الحسين ويشرح معاني الشهادة. من هذا الكتاب تكون ا ول فهمي لشهادة الا مام وتحدد نهجي في التعامل معها كدرس عظيم في الارتكاز في الحق وملازمة الصدق والصبر في وجه ا عتى المحن. من هذا الكتاب ومما لمست لدى والدي من توقير لشهادة الا مام لم ا مل يوما ا لى ممارسات صاخبة في ا حياء ذكرى عاشوراء بل وجدت العبرة الهادي ة والارتباط الروحي بصفاء نفسية الا مام ونبلها ا وقع ا ثرا في نفسي وا كثر تمكينا لي من استيعاب الدرس الحسيني العظيم. استخلصت هذه الرؤية ا يضا من سيرة الشهادة ذاتها. فهاهو الا مام علي ابن الحسين يروي لنا فيقول: وا ني واالله لجالس في تلك العشية التي قتل ا بي في صبيحتها وعمتي زينب تمرضني ا ذ اعتزل ا بي في خباء له وعنده مولى ا بي ذر الغفاري يعالج سيفه وا بي يقول: يا دهر ا ف لك من صفحة 10 / 5
خليل كم لك بالا شراق والا صيل من صاحب وطالب قتيل والدهر لا يقنع بالبديل وا نما الا مر ا لى الجليل وكل حي سالك السبيل. وا عاده مرتين ا و ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما ا راد. فخنقتني عبرتي فرددت دمعي. ا ما عمتي زينب فا نها سمعت ما سمعت فلم تملك نفسها ا ن وثبت تجر ثوبها حاسرة الرا س حتى انتهت ا ليه فصاحت: واثكلاه... ليت الموت ا عدمني الحياة. فنظر ا ليها الحسين مليا ثم قال لها: يا ا خية: لا يذهبن بحلمك الشيطان. قالت: با بي ا نت وا مي يا ا با عبد االله فداك نفسي. فرد غصته وترقرقت عيناه وتمتم: لو ت رك القطا لنام وغفى. قالت يا ويلتا... ا فتغتصبك نفسك اغتصابا فذلك ا قرح لقلبي وا شد على نفسي. ولطمت خدها وشقت جيبها فقام ا ليها الحسين وهو يقول: يا ا خية: اتقي االله وتعزي بعزاي ه واعلمي ا ن ا هل الا رض يموتون وا هل السماء لا يبقون وا ن كل شيء هالك ا لا وجهه. ا بي خير مني وا مي خير مني وا خي خير مني ولي ولهم ولكل مسلم برسول االله ا سوة. يا ا خية: ا ني ا قسم عليك فا بري بقسمي: لا تشقي علي جيبا ولا تخدشي على خدا ولا تدعي علي بالويل والثبور ا ذا ا نا هلكت. قال علي ابن الحسين: ثم جاء بها حتى ا جلسها عندي وقد هدا ت ثم خرج ا لى ا صحابه. وقد ظلت زينب بعد هذا رابطة الجا ش ا ثناء الشهادة ومن بعد الشهادة وبذلك ا دت الدور الذي ا ناط بها ا خوها الشهيد من بعد ا ن قتل كل من حولها من رجال بني هاشم. ولنر ما ا سفر عنه الغد - العاشر من محرم. في جانب كان الحسين ومعه اثنان وثلاثون فارسا وا ربعون راجلا من ا هله وا صحابه ومن وراي هم الصبية والنساء. في المقابل كان جيش ا مير الكوفة مؤلفا من ا ربعة ا لاف كامل العدة شاكي السلاح ومن وراي هم الدولة والسلطان. وما ا ن طلعت الشمس حتى زحف الجيش نحو معسكر الحسين وا صحابه. لم يكن الا مام في ريب مما هو مقدم عليه لكن بقي في ضميره تكليف وجب ا ن يؤديه للمرة الا خيرة: وجب ا ن يسجل موقفا ويلقى حجة فلا يكون لا حد بعد ذلك ا ن يقول ا نهم قتلوه عن جهل به ا و لقصاص ا و لطلب من ا ي نوع. ركب الا مام جواده ودنا من القوم حتى صاروا على مسمع منه ومرا ى. قال لهم: انسبوني فانظروا من ا نا ثم راجعوا ا نفسكم هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ا لست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه ا و ليس حمزة سيد الشهداء عم ا بي ا ليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي ا و لم يبلغكم قول رسول االله لي وا خي: ا نتما سيدا شباب ا هل الجنة ا ما في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي فا ن كنتم في شك مما ا قول ا و تشك ون في ا ني ابن بنت نبيكم فواالله ما بين المشرق صفحة 10 / 6
والمغرب ابن بنت نبي غيري. ثم ساي لهم: ا تطلبونني بقتيل منكم قتلته ا و بمال استهلكته ا و بقصاص ونظر ا لى قواد في جيش الكوفة ممن كتبوا ا ليه ا ن يقدم ا ليهم وا نهم سينصرونه فذك رهم واحدا واحدا بما تعهدوا له في رساي لهم ا ليه. لكنهم ا عرضوا عنه فذهبت كلماته هدرا وقد صمت دونها الا ذان. فلما لم يحر منهم جوابا عاد ا لى معسكره يي سا منهم وموطنا على لقاء االله نفسه... قبل انقضاء ذلك اليوم. وبدا القتال وما ا ن انتصف النهار حتى كان ا صحابه وشباب بني هاشم صرعى بين يديه بعد ا ن ا بلو بلاء حسنا في الجهاد. وبقي وحده يقاتل فما رؤي مكسور قط قد قتل ا هل بيته وا صحابه ا ربط جا شا ولا ا مضى جنانا ولا ا جرا مقدما منه. وبقيت زينب ترقبه بقلب معتصر ودمع منهمر وهو يحمل على القوم ويحملون عليه حتى ا ثخن بالجراح وهوى عن جواده. وسمعه القوم يقول: ا على قتلي ت جمعون ا ما واالله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد االله ا الله ا سخط عليكم لقتله مني. وا يم االله ا ني لا رجو ا ن يكرمني االله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. ا ما واالله لو قتلتموني لا لقى االله با سكم بينكم ثم لا يرضى بذلك منكم حتى يضاعف لكم العذاب الا ليم. فهابوه وا جفلوا عن الاقتراب منه حتى قضى نحبه. هكذا نرى الحسين لا خر لحظات حياته يلهج لسانه بذكر االله ويشع قلبه ا يمانا باالله وثقة بانتصار الحق وا هله على الباطل وا هله. ول ك م نجد في حاله هذا صدقية مع قوله - عند ما را ى تلبد الا جواء حوله في المدينة وا حس بحتمية الشهادة - " رضا االله رضانا ا هل البيت نصبر على بلاي ه فيوفينا ا جور الصابرين." ثم كانت المرحلة المكملة للشهادة تلك التي را ينا كيف ا عد الحسين لها ا خته زينب عشية ا ن ذكرها بحتمية الموت ووص اها ا ن لا تجزع بل ا ن تصبر متعزية بعزاء االله. وقد اخت برت زينب في ذلك ا قسى الاختبار فصمدت. في مجلس عبيد االله ا بن زياد في الكوفة مع ما كان عليها من رث الثياب ووقع المصاب وعنت السبي وقسوة الحال تقدمت عقيلة ا ل طالب في وجلال ووقار تحف بها ا رامل الشهداء وتتقدمها يتاماهم فا خذت مجلسها دون ا ن تبدي نحو الطاغية ا ي التفات. وراقبها وهي تجلس بادية الترفع قبل ا ن يؤذن لها بالجلوس فسا ل من تكون. فلم تجب. فا عاد صفحة 10 / 7
السؤال مرتين وثلاثا وهي لا تجيب ا عراضا عنه واستصغارا لقدره. قيل له ا نها زينب بنت فاطمة. قال ابن زياد وقد غاظه ما بدا منها: الحمد الله الذي فضحكم وقتلكم وا كذب ا حدوثتكم. فردت دون انفعال ولا اكتراث بموقع سلطته: الحمد الله الذي ا كرمنا بنبيه وطهرنا من الرجس تطهيرا. ا نما ي فض ح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد الله. من الكوفة ا لى الشام وهناك في مجلس عام كشف يزيد عن رؤوس الشهداء وانثنى يعبث بقضيب في يده بثنايا الحسين وهو ينشد: ليت ا شياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الا سل. لا هل وا واستهلوا فرحا ولقالوا يا يزيد لا تشل. قد قتلنا القوم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل. لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل. فبكت الهاشميات ا لا زينب فا نها انبرت تصرخ في وجه الطاغية بقوله تعالى: ثم كان عاقبة الذين ا ساءوا السوء ا ن كذبوا با يات االله وكانوا بها يستهزؤون. واستطردت دون ا ن تستا ذن: ا ظننت يا يزيد حيث ا خذت علينا ا قطار الا رض وا فاق السماء فا صبحنا نساق كما تساق الا سارى ا ن بنا على االله هوانا وبك عليه كرامة وتوهمت ا ن هذا لعظيم خطرك فشمخت با نفك جذلان فرحا حين را يت الدنيا لك مستوثقة والا مور متسقة ا وما قرا ت قول االله: ولا يحسبن الذين كفروا ا نما نملي لهم خير لا نفسهم ا نما نملي لهم ليزدادوا ا ثما ولهم عذاب مهين. ا من العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حراي رك وا ماءك وسوقك بنات رسول االله ا سارى: قد هتكت ستورهن وا عولت ا صواتهن مكتي بات تجري بهن الا باعر ويحدوا بهن الا عادي من بلد ا لى بلد لا صفحة 10 / 8
يراقبن ولا يؤوين يتشوفهن الناس وليس معهن قريب من رجالهن ا تقول: ليت ا شياخي ببدر شهدوا... غير متا ثم ولا مستعظم وا نت تنكث ثنايا ا بي عبد االله بمخصرتك ولم لا وقد نكا ت القرحة واستا صلت الشا فة با هراقك هذه الدماء الطاهرة... دماء نجوم الا رض من ا ل عبد المطلب فواالله ما فريت ا لا جلدك وما حززت ا لا لحمك وسترد على رسول االله بر غمك ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرة القدس يوم يجمع االله شملهم من الشعث: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل االله ا مواتا بل ا حياء عند ربهم يرزقون. وستعلم ا نت ومن بو ا ك ومك نك من رقاب المؤمنين ا ذا كان الحك م رب نا والخصم جد نا وجوارح ك شاهدة عليك ا ي نا شر مكانا وا ضعف جندا. فلي ن اتخذتنا في هذه الحياة مغنما لتجدننا عليك مغرما حين لا تجد ا لا ما قدمت يداك. فك د كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فواالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب والنبوة والانتخاب لا تدرك ا مرنا ولا تبلغ شا ونا ولا تمحو ذكرنا: وهل را يك ا لا فند وا يامك ا لا عدد وجمعك ا لا بدد يوم ينادي المنادي ا لا لعنة االله على القوم الظالمين. فا طرق يزيد صاغرا وقد ا لجم لسان ه التقريع. حادثة ا خرى يجدر ا يضا ا ن تذكر. عندما تبي ن لمن في مجلس يزيد ا ن المسبيات هن من البيت الهاشمي غضوا ا بصارهم حياء ونا ووا با نفسهم عن هذه الجريمة النكرا ء ا لا رجلا شاميا ضخم الجثة ظل يحدق في فاطمة بنت الحسين وكانت شابة وضيي ه فا جفلت منه ثم ا نه قام ا لى يزيد وقال له: يا ا مير المؤمنين: هب لي هذه الجارية. فلاذت فاطمة بعمتها زينب مذعورة ترتجف وتقول: ا ا يتم ثم ا ستخدم قالت زينب للشامي وهي تحتضن ابنة ا خيها: كذبت ولؤمت ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقال: ا ن ذلك لي ولو شي ت لفعلت. قالت زينب: كلا واالله ما جعل االله ذلك لك ا لا ا ن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا. فزاده قولها غضبا وتساءل مستنكرا: ا ياي تستقبلين بهذا... ا نما خرج من الدين ا بوك وا خوك. فردت با صرار: بدين االله ودين جدي وا بي وا خي اهتديت يا يزيد ا نت وا بوك وجدك. قال حانقا: كذبت يا عدوة االله. فهزت را سها استخفافا وهي تقول: ا نت ا مير مسلط: تشتم ظالما وتقهر بسلطانك. فلم يجب وساد المجلس صمت ثقيل. من خلال هذه المواقف ومثلها مما تنير العقل وتحيي الضمير وتعيد الثقة با ن الحق يعلو ولا يعلى عليه مهما غالط المبطلون ا فهم شهادة الحسين: ا فهمها ثباتا في الحق جرا ة في الصدق واصطبارا صفحة 10 / 9
Powered by TCPDF (www.tcpdf.org) https://annabaa.org/arabic/print/16598 في وجه ا عتى المحن. ا فهمها ا حقاقا للحق وا زهاقا للباطل ا قامة للعدل وا زالة للظلم وطلبا للا صلاح. ا فهمها ا مرا بالمعروف ونهيا عن المنكر. ومن وراء ذلك ا لمس فيها نف سا ا نسانيا طاهرا ووجدانا في غاية اللطف: فلعمري ما عدت ا سمع ا و ا قرا سيرة الحسين وا هله وا صحابه ولو للمرة بعد الا لف ا لا وا خذتني العبرة وا سرني ما فيها من كرم الخلق ونبل الا حساس وصفاء الضمير والاحتساب عند االله العلي القدير. اللهم اجز الحسين وا هله وا صحابه عن هذه الا مة خير جزاء. اللهم ا رنا الحق حقا فنتبعه والباطل باطلا فتنجنبه. اللهم ما عرفتنا من الحق فحم لناه وما قصرنا عنه فبل غناه. اللهم اجعلنا من الذين هدوا ا لى الطيب من القول وهدوا ا لى صراط الحميد. واجعل اللهم لنا توفيقا بك في جميع الا حوال وفي جميع الا مور. *** * كلمة القيت في مركز دار السلام - فرجينيا الولايات المتحدة 6 مارس 2003 /محرم 1424 ونشرت في شبكة النبا المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425 ه صفحة 10 / 10